الاثنين، 13 يوليو 2015

أهم محطات حياة لويس باستير مكافح الجراثيم


قليل من الناس أنقذ نفوساً من الموت أكثر من لويس باستير Louis Pasteur. فقد أنقذت الأمصال التي طورها حياة الملايين من البشر، وأحدث اكتشافه أن الجراثيم هي من تسبب الأمراض ثورة في مجال الرعاية الصحية. كما أنه أوجد طرقاً جديدة لجعل الطعام والشراب آمناً. كان باستير العالم الكيميائي الذى غيّر فهمنا لعلم الأحياء. وبفضل اكتشافاته وإسهاماته تم تأسيس علم جديد هو علم الأحياء المجهري أو المايكروبيولوجى Microbiology.

 [Wikipedia] لويس باستير في مختبره 



27 ديسمبر 1822: الفنان الذى أصبح كيميائياً

كان والد باستير جندياً في الجيش الفرنسي إبان الحروب النابليونية، وقد تربى علي حب موطنه فرنسا. نشأ في جبال شرقى فرنسا، وكان طالباً متوسطاً مولعاً بالرسم. قام برسم العديد من اللوحات لأسرته تنمّ عن اهتمام بالتفاصيل الدقيقة. بينما كان مدرسوه يشجعونه علي الرسم، كان والده لا يعتبر ذلك عملاً جاداً ولذلك اجتهد باستير في دراسته.


1848: اكتشاف مذهل حول وحدة بناء الحياة

بدأ باستير وظيفته كعالم كيمياء في جامعة ستراسبورج، وسرعان ما اكتشف اكتشافاً مذهلاً. بيّن باستير أن بعض الجزيئات التي تتشابه في تركيبها الكيميائي قد تختلف في شكلها الثلاثي الأبعاد أو الفراغى، من حيث كونها نسخاً يمينية left-handed أو يسارية right-handed، وهو ما يُعرف بالكيرالية أو اللاتناظرية chirality. لاحظ باستير أن الجزيئات المُنتَجة من كائنات حية تكون يسارية، وكان هذا خطوة مهمة في علم الأحياء المجهري، ومكون أساسى في الطرق الحديثة لإنتاج الأدوية وحتى في فهمنا للمادة الوراثية DNA. وبهذا يكون باستير قد قام بما يُعد أهم إسهام علمى له وهو في سن الخامسة والعشرين.

جزيئان لحمض أميني متماثلان في التركيب الجزيئى ولكن مختلفان في الشكل الفراغى
أحدهما يميني والآخر يساري [Wikipedia]

1859: دحض نظرية من زمن أرسطو

ساعدت خلفية باستير ككيميائى فى الإجابة عن أهم أسئلة علم الأحياء في القرن التاسع عشر. كان الناس لأكثر من ألفى عام يعتقدون أن الحياة تبدأ تلقائياً، فالبراغيث مثلاً تنمو من التراب، والديدان تنمو من اللحم الميت. ولكن باستير قام أخيراً بدحض هذه النظرية باستخدام تجربة علمية مبتكرة، فقد بيّن أن الطعام يفسد نتيجة وجود الميكروبات فى الهواء وليس بسبب الهواء نفسه. ثم أوضح أن هذه الميكروبات قد تكون هى ما تسبب الأمراض. كانت "نظرية الجراثيم" هذه محل جدل كبير، وذلك لأنه كان كيميائياً وليس طبيباً، كما أنها تخالف النظريات العلمية السائدة في عهده. إلا أنها فتحت الباب لتطوير المطهّرات والمعقمّات الطبية وغيرت شكل الرعاية الصحية للأبد.

القارورة التى اخترعها باستير واستخدمها في تجربته لإثبات أن الحياة لا تنشأ تلقائياً. تسمح
هذه القارورة بالهواء للمرور عبر عنقها، ولكنها لا تسمح للجراثيم بالدخول لأنها تترسب في الجزء
المستوي منها، وبالتالي يمكن مقارنة قارورة تدخلها الجراثيم بقارورة أخرى لا تدخلها. [Wikipedia]

1863: اختراع البسترة

كان باستير قد اشتهر بسبب نظريته الخاصة بالجراثيم. في عام 1863 قصده الامبراطور نابليون الثالث لحل مشكلة تواجه صناعة النبيذ فى فرنسا. كان النبيذ الفرنسي له شهرة واسعة في أوروبا، إلا أن المنتجين كانوا يتعرضون للخسائر بسبب تلف الزجاجات خلال نقلها. أدرك باستير أن هذا بسبب تلوث النبيذ بالجراثيم، وحاول غليه ولكن هذا جعل مذاقه سيئاً. بعد تجارب مضنية، اكتشف باستير أن تسخين النبيذ لدرجة حرارة 55 يقضى علي البكتيريا بدون التأثير علي طعم النبيذ. أنقذت هذه العملية صناعة النبيذ الفرنسى، والتى سميت فيما بعد بـ "البسترة" نسبة إلى باستير، وهى العملية التي ما تزال تستخدم حتى اليوم فى تعقيم الأطعمة وحفظها من التلف.

تُستخدم البسترة لحفظ العديد من الأطعمة مثل الأجبان والألبان والعصائر [Wikipedia]

1865: إنقاذ صناعة الحرير

بعد إنقاذ باستير لصناعة النبيذ الفرنسى، طُلب منه إنقاذ صناعة الحرير التى كانت تواجه أزمة بسبب مرض غير معروف يصيب دود القز. ورغم أنه لم يلمس دود القز من قبل في حياته، إلا أنه وجدها فرصة سانحة لدراسة تأثير الكائنات المجهرية علي انتشار الأمراض، وساعدته زوجته مارى التي عملت على تربية دود القز من أجل تجاربه التى استمرت ست سنوات. توصل إلى نتيجة مفادها أن الأمراض تنتقل عن طريق طفيليات، وأوضح كيف يمكن عزل والتخلص من الدود المُصاب حتى يتم الحفاظ علي الدود السليم. وبهذا أنقذ صناعة الحرير مما مثّل دفعة للاقتصاد الفرنسى. 

رسم توضيحى لدودة القز كما تبدو تحت المجهر [Science Photo Library]

1868: مآسى عائلية

تعرض باستير لجلطة فى سن الخامسة والأربعين أدت لشلل جزئى في نصفه الأيسر، وقام زملاؤه بإعداد مختبر متحرك ليتمكن من العمل من سرير المرض. كان التفانى في العمل من صفات باستير، الذى كان ينهمك في بحثه جرّاء مشاكله ومآسيه العائلية. فقد توفيت ابنته عام 1859 نتيجة مرض التيفود، وهو مرض ينتقل نتيجة الماء والطعام الملوّث. وفي عام 1865 توفيت ابنته الثانية بنفس المرض، ثم توفيت ابنته الثالثة عام 1866 نتيجة ورم سرطانى. أدى هذا إلى قراره بتكريس حياته لمحاربة انتشار الأمراض.

باستير مع ابنه جون-بابتيست عام 1893. رُزق باستير بخمسة أبناء، ولكن ثلاثة منهم توفوا
أثناء الطفولة. [Mary Evans]

1879: اختراع لقاح لكوليرا الدجاج

اتجه باستير لدراسة مرض كوليرا الدجاج، ما أدى إلى اكتشاف مثير آخر. بعد غياب أسبوع عن معمله، حقن باستير دجاجه بعينة قديمة من الباكتيريا المسببة للكوليرا لإخضاعها للاختبار. لدهشته لم تمُت الدجاجات بالكوليرا كما جرت العادة، ولكنها مرضت ثم تعافت، ومن ثم كونت هذه الدجاجات مناعة ضد هذه الباكتيريا. أدرك باستير أن إضعاف الباكتيريا المسببة للمرض يساعد الحيوانات على تكوين مناعة ضده. وقبل قرن من الزمان اكتشف العالم إدوارد جينر أن الإصابة بمرض جدرى الأبقار يقى ضد الإصابة بمرض الجدرى القاتل. والآن اكتشف باستير وسيلة لإنتاج اللقاحات في المختبر، وكانت هذه لحظة فارقة في الكفاح ضد الأمراض المعدية.

فسيفساء تخليداً لذكرى عمل باستير على مكافحة مرض كوليرا الدجاج [Getty]

1881: تجربة لقاح للجمرة الخبيثة

كان باستير حريصاً على إنتاج لقاحات لأمراض أخرى، فوجّه بصره ناحية مرض الجمرة الخبيثة. كان هذا المرض قاتلاً للإنسان، وقادراً علي إبادة مزارع كاملة من الحيوانات، ولذلك كان من يستطيع تطوير لقاح له سيجنى الكثير من المال بالإضافة لإنقاذ الكثير من الأرواح. كان الطبيب الألمانى وربرت كوخ قد وجد بالفعل الباكتيريا المسببّة للمرض، والآن أعلن باستير أنه طوّر لقاحاً للمرض وأنه حصن بالفعل 31 حيواناً. ولكن دراسات حديثة لمذكرات وكتابات باستير أوضحت أنه ربما قد بالغ فى مدى ابتكاراته في تطوير هذا اللقاح، وأنه قد اعتمد على اكتشافات أشخاص آخرين.

رسم توضيحى لأعراض مرض الجمرة الخبيثة [Getty]

1885: تلقيح صبىّ ضد داء الكلب

وجّه باستير بعد ذلك أنظاره ناحية داء الكلب، وهو مرض قاتل ذو أعراض وحشية تسبب موتاً بطيئاً مؤلماً. كان باستير قد اختبر لقاحاً علي الكلاب قام بتطويره من نخاع أرانب تم حقنها بالمرض، ولكنه كان متخوفاً من تجربته على البشر. واجه معضلة مع جوزيف مايستر، وهو ضبى تعرض للعض من قبل كلب مسعور، حيث لم يكن من المؤكد أنه سيصاب بالشكل البشرى للمرض، ولكن باستير حقنه باللقاح. وقد نجا الصبى من الموت، وكانت هذه علامة فارقة لأنها أول تجربة بشرية للقاح من صنع الإنسان، وقد قام باستير بالمبالغة مرة أخرى في مذكراته قائلاً أنه أجرى تجارب حيوانية أكثر مما قام به بالفعل. 

باستير (اليسار) أثناء حقن جوزيف مايستر بأول لقاح لداء الكلب
[Sanofi Pasteur]

1888: إنشاء معهد باستير

طلب الكثير من الناس التطعيم ضد مرض داء الكلب، وأدرك باستير أنّ عليه طلب العون حتي يستطيع تلبية طلبهم في إنتاج هذا اللقاح ولقاحات أمراض أخرى. ولذلك قام بإنشاء كيان خيرى لتأسيس، سمّى "معهد باستير"، وذلك لمواصلة الأبحاث في إنتاج لقاحات للأمراض المعدية، وقام بالدعوة للتبرع له. أدت الاكتشافات التى تمت من خلال هذا المعهد لإنتاج الكثير من اللقاحات التى أنقذت حياة ملايين البشر، كما تم إنشاء فروع له في داخل فرنسا وخارجها فى المستعمرات الفرنسية كساحل العاج والسنغال.

معهد باستير في مدينة ليل بفرنسا [Wikipedia]

1888: تمهيد الطريق للقضاء علي الدفتريا

كانت من أول إنجازات معهد باستير فتح جديد في مكافحة مرض الدفتريا، وهو مرض قاتل يصيب الأطفال. نجح اثنان من مساعديه السابقين والعاملين حالياً في المعهد وهما إيميل رو وألكسندر يرسين من تحليل كيفية عمل هذا المرض، ما ساعد فى تطوير علاج ثم تطوير لقاح له. يُعتبر الكفاح ضد مرض الدفتريا من قصص النجاح فى عالم الطب، وفى الوقت الحالى يتم تطعيم أكثر من 85% من الأطفال حول العالم ضد هذا المرض.

حقنة استخدمها إيميل رو في أبحاثه [Wellcome Library]

28 سبتمبر 1895: وفاة باستير

رغم تدهور صحت باستير إلا أنه استمر في إدارة معهده فى باريس، حتي توفي فى سن 72 عاماً نتيجة إصابته بجلطة أخرى. نعت فرنسا باستير كأحد أبطالها القوميين، وتم دفنه في كاتدرائية نوتر دام فى باريس، وفى العام التالى تم نقل رفاته لقبر خاص فى مقر معهد باستير فى باريس. وتم دفن زوجته بجواره عند موتها عام 1910. واليوم يُعد باستير من رواد علم الطب الوقائى، ويستمر العمل الذى بدأه في إنتاج اللقاحات في إنقاذ حياة الملايين من البشر.

قبر باستير فى قبو معهد باستير فى باريس [Science Photo Library]

المصادر

هناك تعليق واحد :

  1. راااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع شكرًا جزيلا بارك الله فيكم

    ردحذف