الجمعة، 3 يوليو 2015

الماجنا كارتا: كيف شكّلت الحقوق الشخصية


الماجنا كارتا هي وثيقة وقّع عليها الملك جون ملك إنجلترا في القرن الثالث عشر في إطار اتفاق صلح مع بعض النبلاء المتمردين. ولكنها تحولت لأكثر من ذلك، إذ تُعتبر حجر الأساس للعدالة والحقوق والحريات الشخصية عبر العالم.  سنتعرف هنا علي نبذة سريعة من تاريخ الماجنا كارتا بمناسبة مرور 800 عام علي كتابتها.

الماجنا كارتا [Wikipedia]


الوثيقة العظمي

الماجنا كارتا تعني باللغة اللاتينية "الوثيقة العظمي". وُقّعت الماجنا كارتا في إطار اتفاق سلام لتفادي حرب أهلية في إنجلترا بين الملك جون والنبلاء المتمردين. كانت شعبية الملك جون في هبوط مستمر وذلك لفرضه الكثير من الضرائب والمكوس علي النبلاء وعموم الشعب الإنجليزي لتمويل حروبه الفاشلة في فرنسا. أدي ذلك لتمرد النبلاء ضده في عام 1215. في محاولة من الملك جون لإنهاء التمرد وافق علي التوقيع علي هذه الوثيقة في يوم 15 يونية عام 1215 برعاية أسقف كانتربيري في مدينة رانيميد قرب ويندسور. 

يُعتبر هذا حدثاً تاريخياً، وذلك لأن الملوك في ذلك الوقت كانوا يتمتعون بسلطة مطلقة داخل نطاق ممالكهم، ولهم الحق في فرض الضرائب والاستيلاء علي الأراضي وسجن المعارضين دون مساءلة أو حساب. ولكن هذه الوثيقة تضع قيود علي الملك، أعلي سلطة في البلاد، وتجعله خاضعاً للقوانين السائدة في وقته. وتُعتبر هذه المرة الأولي التي يتم فيها توثيق هذه الحدود علي سلطات الملك.

ولكن الماجنا كارتا في واقع الأمر لم ترسخ فيها مفاهيم الحريات والحقوق الشخصية لعامة الشعب كما نعرفها اليوم. كانت فقط لترسيخ حقوق كبار النبلاء والأثرياء ورجال الدين، الذين يعتبرون الطبقة الحاكمة في إنجلترا في ذلك الوقت. كانت الماجنا كارتا مكتوبة بواسطتهم ولحماية حقوقهم. ورغم ذلك ففيها بداية للحقوق التي لا نفكر فيها كثيراً اليوم، مثل أن الملك، رغم سلطته، ليس فوق القانون، وأن هناك حقوقاً أصيلة لا يمكن للدولة سحبها منّا. ألهمت هذه الأفكار حركة نمو الحرية والديمقراطية عبر العالم، ويعود الفضل في ذلك لوثيقة مكتوبة قبل 800 عام.

الملك جون [Getty]

داخل الماجنا كارتا

تحتوي الماجنا كارتا 63 مادة لحماية حقوق ومصالح الطبقة الحاكمة في إنجلترا من سلطة الملك قبل 800 عام. هذه بعض أهم المواد في الوثيقة:

المادة 1: حرية الكنيسة

...  ستكون الكنيسة الإنجليزية حرة وستحصل علي كامل حقوقها ...
بعد أعوام من الصراع بين الملك جون وبين سلطات الكنيسة في إنجلترا، تم توثيق حرية الكنيسة لأول مرة في قانون مكتوب. ولا تزال كنيسة إنجلترا مستقلة عن السلطة الملكية وعن الحكومة في بريطانيا إلي اليوم.

المادة 12: الضرائب العشوائية

لن يتم فرض ضرائب في المملكة إلا بعد مشاورة عامة ...
قبل توقيع الماجنا كارتا كان يحق للملك فرض الضرائب وقتما وكيفما وبأي مقدار شاء.  قيدت هذه المادة سلطة الملك في فرض الضرائب إلا بعد التشاور. ألهمت هذه الفكرة، أنه "لا ضرائب بدون تمثيل نيابي"، الثورة الأمريكية علي بريطانيا في القرن الثامن عشر ما أدي في النهاية لاستقلال الولايات المتحدة.

المادة 13: الحكم الذاتي للندن

.. ستحصل مدينة لندن علي كل حرياتها العتيدة وتقاليدها الحرة ...
في عام 1215 كانت لندن في اتساع مستمر وكانت مركزاً تجارياً هاماً. استخدم قاطنوها الماجنا كارتا لحماية حقهم في الحكم الذاتي. وحتي الوقت الحالي تُحكم لندن بواسطة "هيئة لندن الكبري".

المادة 23: بناء الجسور

لن يتم إجبار أي قرية أو فرد علي بناء جسور علي ضفاف الأنهار إلا هؤلاء الذين يجب عليهم قانوناً فعل ذلك منذ القِدَم...
كانت سلطة الملك أنذاك تشمل إجبار ملاك الأراضي علي القيام بمشروعات إنشائية ضخمة ومكلّفة مثل بناء الجسور علي أراضيهم. وضعت هذه المادة نهاية لهذا.

المادة 39: العدالة للكل

لن يتم احتجاز أو سجن أي رجل حر ... إلا عن طريق حكم قانوني بواسطة أقرانه أو عن طريق القانون السائد في البلاد...
في خلال عهده، قام الملك جون باحتجاز وسجن بل وقتل الكثير من معارضيه. لأول مرة تم توثيق أن السجن يجب أن يتم عن طريق إجراءات قانونية وليس تبعاً لأهواء الملك. وتُعتبر هذه المادة مصدر إلهام للحقوق والحريات المماثلة في الكثير من دول العالم اليوم.

المادة 47: إزالة الغابات الملكية

تتم عودة جميع الأراضي التي تم إعلانها غابات ملكية في وقتنا الحاضر لسابق عهدها ...
قام الملك جون وأسلافه بتسمية الكثير من الأراضي في إنجلترا كغابات ملكية. كان هذا الإجراء يعني أنه يحق للملك الصيد في هذه الأراضي ويتم وضع قيود علي ما يستطيع ملاك الأراضي الأصليين القيام به. وضعت هذه المادة نهاية لهذا الإجراء.

لوحة تخيلية لتوقيع الملك جون علي الماجنا كارتا [Wikipedia]

نهاية السلام

لم يدم الاتفاق الأولي سوي ستة أسابيع. فقد عمد بعدها الملك جون إلي نقضه، وأوعز إلي البابا إينوسينت الثالث بإلغاء الاتفاق رسمياً. أدي هذا إلي نشوب الحرب الأهلية، ما عُرف بـحرب النبلاء الأولى. وجّه النبلاء المتمردون الدعوة إلي الأمير لويس وليّ عهد فرنسا والعدوّ اللدود للملك جون، الذى لبى الدعوة ووصل إلي لندن على رأس جيش فرنسي لتولي عرش إنجلترا في مايو 1216. فرّ الملك جون إلى شمال إنجلترا، وتوفي بعدها بخمسة أشهر تاركاً العرش لابنه الطفل ذي الأعوام التسعة هنري الثالث. 

استمرت الحرب بين الموالين للملك الجديد هنري الثالث وبين لويس والنبلاء المتمردين، واستغل مستشارو الملك الصغير الماجنا كارتا كوسيلة لجمع التأييد الشعبي في الحرب ضد فرنسا. بعد هزيمة القوات الفرنسية وقوات المتمردين عام 1217 تم إصدار الماجنا كارتا مجدداً وشكلت أساس اتفاق السلام الجديد. وفي هذه المرة أطلق عليها الماجنا كارتا أو "الوثيقة العظمي" تمييزاً لها عن الوثيقة الأخرى التى صدرت في نفس الوقت والخاصة بالغابات الملكية. 

وفي عام 1225 أصدر الملك هنري الثالث مجدداً نسخة أخرى من الماجنا كارتا. ومنذ هذه اللحظة أصبح الملك خاضعاً للقانون نظرياً مثله مثل باقى رعيته، وأصبح يحكم وفقاً لموافقتهم ورضاهم وليس رغماً عنهم. ومنذ ذلك الحين أصبحت الماجنا كارتا مصدر الإلهام للكثير من الحقوق والحريات التي نتمتع بها اليوم في مجتمعاتنا، بل وكانت أيضاً مصدر الإلهام للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة عام 1948.

الملك هنري الثالث [Wikipedia]

المصادر

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق