الأحد، 5 يوليو 2015

معارك فاصلة: معركة بلاط الشهداء

معركة بلاط الشهداء جرت في شمال وسط فرنسا بين مدينتي تور (Tours) وبواتييه (Poitiers) عام 732م/114هـ بين جيش الأمويين بقيادة عبد الرحمن الغافقي وجيش الفرنجة بقيادة شارل مارتل(Charles Martel). انتهت المعركة بهزيمة الجيش الأموي وقتل قائده. تُعتبر من المعارك الفاصلة في التاريخ، لأنها مثّلت أكبر توغل لقوات العرب المسلمين في أوروبا الغربية، كما تُعتبر بمثابة بداية النهاية لمحاولات التوسع في غرب أوروبا انطلاقاً من الأندلس.

لوحة تمثل شارل مارتل علي الحصان الأبيض (اليسار) في مواجهة عبد الرحمن الغافقي (اليمين) [Wikipedia]


خلفية

أتت معركة بلاط الشهداء بعد 21 عاماً من بدء الفتوحات الإسلامية لشبه جزيرة أيبيريا، والتي تشمل أسبانيا والبرتغال حالياً. فقد بدأ طارق بن زياد بمهاجمة مملكة القوط الغربيين عام 711م/92هـ، واستمرت الانتصارات حتي تم فتح شبه الجزيرة. وبعدها تم الاستيلاء على مدن في جنوب فرنسا عبر جبال البرانس الفاصلة بين أسبانيا وفرنسا مثل سبتمانيا وأربونة (ناربون Narbonne). وحاول ولاة الأندلس التوغل شمالاً في فرنسا، فقد توجه السمح بن مالك الخولاني عام 102هـ/721م صوب مدينة طولوشة (تولوز Toulouse) جنوب دوقية أقطانيا (أكيتين Aquitaine) في جنوب فرنسا إلا أنه هُزم في المعركة وقُتل علي يد قوات أودو دوق أقطانيا. 

خريطة توضح اتساع الدولة الأموية حتي عام 750م من حدود الهند شرقاً وحتي المغرب وأيبيريا غرباً [Wikipedia]

وعلي الجهة الأخري كانت مملكة الفرنجة (Franks) (وأحياناً تمسي بالمملكة الميروفنجية نسبة إلي الأسرة الحاكمة) هي القوة المهيمنة علي غرب أوروبا، فقد ضمت معظم شمال وشرق فرنسا، والأراضي المنخفضة (هولندا وبلجيكا)، وغرب ألمانيا، وكان شارل مارتل هو قائد قوات المملكة.  أصبح الفرنجة على مشارف تكوين أول امبراطورية في أوروبا منذ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية قبل أكثر من مائتي عام. ولكن كان هناك مقاومة ونزاع بين الفرنجة وبين قبائل جرمانية إلي الشمال وبينهم وبين دوقية أقطانيا إلي الجنوب بزعامة أودو.

خريطة توضح اتساع مملكة الفرنجة من عام 481م وحتي عام 814م، وفيها موقع دوقية أقطانيا (أكيتين)
ومدينتي بواتييه وتور علي نهر اللوار حيث جرت معركة بلاط الشهداء بينهما.
كما توضح أيضاً موقع مدينة تولوز في جنوب أقطانيا ومدينتي وبوردو وسبتمانيا. [Wikipedia]

وجد أودو نفسه بين مطرقة المسلمين من الجنوب وبين سندان الفرنجة من الشمال، فلجأ إلي التحالف مع عثمان بن نيساء حاكم قطالونيا (كتالونيا في شمال شرق أسبانيا وعاصمتها برشلونة)  عام 730م وزوجه ابنته على أن يحمى أراضيه من غزوات المسلمين. لكن تمرد عثمان لم يدُم طويلاً، إذ سَيّر إليه عبد الرحمن الغافقي والي الأندلس حملة عسكرية عام 731م نجحت في إخضاعه وقُتل. ثمّ وجه الغافقي أنظاره نحو أودو حليفه، وسيّر جيشاً كبيراً لفتح أقطانيا. نجح عبد الرحمن الغافقى في هزيمة جيش أودو في بوردو عاصمة أقطانيا وفي معركة نهر الجارون، وتوجه شمالاً نحو تور وبواتييه واستولي عليهما. وجد أودو نفسه في موقف لا يُحسد عليه، ولم يكن أمامه إلا الاستنجاد بشارل مارتل قائد الفرنجة لإنقاذه. ولكن شارل مارتل لم يسارع إلي نجدته إلا بعد أن تعهّد أودو بالولاء والخضوع لمملكة الفرنجة. 

المعركة

بعد انتصار عبد الرحمن الغافقي علي قوات أودو في بوردو، توجه شمالاً نحو نهر اللوار عام 732م واستولي علي مدينتي بواتييه وتور. وفي هذه الأثناء كان شارل مارتل يجمع جيشه ويتجه جنوباً عبر طرق غير معروفة لمفاجأة الجيش الأموى. كان جيش مارتل يتشكل في معظمه من المشاة، وكان يتخذ تشكيل "الفلانكس" (Phalanx)، ولذلك كان عليه اختيار موقع المعركة بعناية حتى تكون له الأفضلية.

فاجأت قوات الفرنجية عبد الرحمن الغافقي المتحصن في مدينة تور، فاضطر للتراجع جنوباً صوب مدينة بواتييه، وتواجه الجيشان في سهل بين المدينتين. استمرت المناوشات عشرة أيام حسب بعض المصادر التاريخية دون حسم. كان جيش الفرنجة في موقع دفاعي أعلي تلة، وكان الجيش الأموى أسفل السهل. لم يكن أي من الجيشين يريد بدء الهجوم، لأن خيالة الأمويين كانت لها الأفضلية في الأرض المفتوحة بينما مشاة الفرنجة كانت لها الأفضلية في الموقع الدفاعى. ولكن الغافقي قرر شن الهجوم بخيالته التي دخلت خطوط الفرنجة وبدا أن النصر سيكون حليفه، حتي بدأ هجوم مباغت من الفرنجة علي مؤخرة الأمويين، ما أدى لانفراط عقد الجيش الأموى وقتل عبد الرحمن نفسه. انسحب الجيش الأموى بعد حلول الليل عائداً إلى قواعده في سبتمانيا.

نصب تذكارى في الموقع المحتمل لمعركة بلاط الشهداء [Wikipedia]

النتائج

 رغم أن الحملات الأموية علي فرنسا استمرت لعدة سنوات بعد معركة بلاط الشهداء، إلا أن هزيمة الجيش الأموى في معركة تور إلى تعثر مسيرة الفتوحات في بلاد الغال (فرنسا) شمالاً انطلاقاً من الأندلس. ولم يحتفظ الأمويون بالمدن التي فتحوها، وسقطت الواحد تلو الأخري في يد مملكة الفرنجة المتوسعة علي يد شارل مارتل وخلفائه، حتي سقطت سبتمانيا وأربونة بعد 27 عاماً من معركة بلاط الشهداء عام 759م.

أدي انتصار شارل مارتل في المعركة إلى إطلاق لقب "مارتل" عليه، والذي يعني "المطرقة". استمر شارل مارتل في التوسع، واستطاع ابنه "بيبين القصير" تأسيس أسرة حاكمة جديدة تعرف بالأسرة الكارولنجية عندما أصبح ملكاً للفرنجة عام 751م، وتم تتويج شارلمان حفيد شارل مارتل امبراطوراً علي "الامبراطورية الرومانية المقدسة"  عام 800م كأول امبراطورية في غرب ووسط أوروبا منذ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية.

المصادر


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق