الاثنين، 29 يونيو 2015

أهم محطات حياة نابليون بونابرت


رغم بنيته الصغير وقصر قامته، إلا أن نابليون بونابرت من أكثر الشخصيات المؤثرة في تاريخ البشرية. كان محبوباً من جنوده ومهاباً من أعدائه، وترقي في الدرجات من جندي بسيط من كورسيكا إلي امبراطور فرنسا. في ذكري مرور 200 سنة علي هزيمته الأخيرة في معركة ووترلو في يونية عام 1815، سنتعرف علي قصة صعود وهبوط نابليون.

الامبراطور نابليون [Wikipedia]



1769: ميلاده وصباه

وُلد نابليون في مدينة أجاكسيو في جزيرة كورسيكا (جزيرة تابعة لفرنسا في البحر المتوسط) في 15 أغسطس. كانت فرنسا قد استولت عليها قبل عام من جمهورية جنوة (مدينة جنوة تقع علي ساحل البحر المتوسط في شمال غرب إيطاليا، وكانت جمهورية مستقلة في ذلك الوقت) نتيجة لحركات الاستقلال التي اجتاحت الجزيرة والتي لم تستطع جنوة إخمادها. كانت عائلة نابليون ميسورة الحال رغم أنها لم تكن ثرية، كما أن ادعاءها بالأصول النبيلة لم يتم التحقق منه. كانت أسرته من ضمن الطبقة الوسطي الكورسيكية. رغم أن والده كارلو كان ناشطاً في المقاومة الكورسيكية ضد الوجود الفرنسي، إلا أنه تصالح مع فرنسا بعد إجبار قائد المقاومة باسكالي باولي علي الهرب من الجزيرة.

موقع جزيرة كورسيكا في جنوب شرق فرنسا [Wikipedia]

1778-1785: الدخيل

في سن التاسعة توجه نابليون إلي الدراسة في فرنسا. كان يشعر بأنه دخيل علي وطنه الجديد حيث لم يكن معتاداً علي عاداته وتقاليده. تخرج نابليون من المدرسة العسكرية في باريس في سبتمبر 1785، وكان ترتيبه الثاني والأربعين في فصله المكون من ثمانية وخمسين طالباً. توفي والده أثناء وجوده في باريس، وتولي بعدها نابليون مسؤولية أسرته رغم أنه لم يتم السادسة عشرة من عمره ولم يكن حتي أكبر الأبناء.

كارلو بونابرت والد نابليون [Getty]

1786-1788: عاشت كورسيكا

تقلد نابليون وظيفته الأولي كملازم ثاني في سلاح المدفعية. كان يقرأ بنهم شديد عن التكتيكات الحربية والاستراتيجيات العسكرية لعزمه علي النجاح في وظيفته. ولكنه كان يكن حباً شديداً لوطنه الأول كورسيكا. في كتابه خط رؤيته لمستقبل كورسيكا، كجمهورية مستقلة عن فرنسا. عاد إلي مسقط رأسه في سبتمبر 1786 ولم ينضم إلي كتيبته حتي يونية 1788. أحس نابليون أنه كورسيكياً قبل كل شيء.

باسكالي باولي قائد المقاومة في كورسيكا [Getty]

1793: عاشت فرنسا

غيرت الثورة الفرنسية كل شيء. عندما اجتاحت الجماهير سجن الباستيل في 1789 تم تدشين عهد جديد. سمح المجلس الوطني لقائد المعارضة الكورسيكية باسكالي باولي بالرجوع إلي مسقط رأسه. غادر نابليون إلي كورسيكا للانضمام إليه، وتم استقباله بحفاوة رغم تخلي والده عنه من قبل وانضمامه للفرنسيين. ولكن عندما اتهم لوسيان شقيق نابليون باولي بالخيانة لصلاته ببريطانيا، تغيرت الأجواء ولم يعد نابليون محل ترحيب في كورسيكا. أحس نابليون بالصدمة الشديدة، وقفل راجعاً إلي فرنسا وهو يحس أنه فرنسي، خصوصاً في ظل أجواء الثورة الفرنسية الجديدة.

اقتحام سجن الباستيل عام 1789 [Getty]

ديسمبر 1793: حصار تولون

لم يمض وقت طويل قبل أن يثبت نابليون ولاءه لفرنسا، حيث استطاع تحقيق أول انتصار كبير في مسيرته العسكرية في تولون. كانت القوات الموالية للملك قد سلمت ميناء تولون في جنوب فرنسا للقوات البريطانية، وكان علي القوات الجمهورية استعادة الميناء بأي ثمن. بالإضافة لأهميتها الاستراتيجية، فإن سقوط هذه المدينة سيؤثر علي سمعة الثورة الفرنسية. عُهد لنابليون بمهمة استعادة المدينة، وبحلول منتصف ديسمبر استطاعت تكتيكاته طرد الإنجليز. بعدها بأيام تمت ترقية نابليون لرتبة عميد وهو في سن الرابعة والعشرين.

نجح نابليون في طرد الإنجليز من ميناء تولون [Getty]

1794: صلات فرنسية

جذبت نجاحات نابليون العسكرية انتباه أصدقاء في مراكز عليا. كتب مفوض الجيش خطاباً في مديح نابليون، وكان متلقي الخطاب هو شقيق مفوض الجيش، ماكسميليان روبسبيير، الحاكم الفعلي لفرنسا في ذلك الوقت ومهندس فترة الرعب والإرهاب التي سادت الثورة الفرنسية. مع إعدام عشرات الآلاف من الفرنسيين بالمقصلة، اتجه نابليون من نجاح إلي نجاح. في فبراير تم تعيينه مفتش مدفعية في جيش الألب الفرنسي (جبال الألب في شرق فرنسا). مع سقوط روبسبيير وإعدامه تعطلت مسيرة نجاحات نابليون، ولكن ليس لوقت طويل، إذ أثبت نابليون أن خدماته لا يمكن الاستغناء عنها.

كان نابليون علي صلة بماكسميليان روبسبيير مهندس عهد الإرهاب [Getty]

1795: منقذ الجمهورية

عندما هدد تمرد من القوات الملكية في باريس بقلب نظام الحكم، عُهد إلي نابليون، محرر تولون، بالمسؤولية لإنقاذ الثورة والجمهورية الفرنسية. كانت القوات الملكية التي تقدر بعشرين ألف جندي تهدد المؤتمر الوطني الفرنسي (البرلمان الفرنسي في ذلك الوقت)، وكانت قوات نابليون أقل من ذلك بكثر. ولكن رغم ذلك، استطاع نابليون صد هجوم الملكيين علي المؤتمر الوطني في 5 أكتوبر 1795. وذلك لم يقم نابليون فقط بإنقاذ الجمهورية، ولكنه أيضاً حظي بالرضا والتقدير من النظام الحاكم الجديد في فرنسا، ما يعرف بحكومة المديرين. كان نجم نابليون في صعود مستمر.

نابليون ينجح في إنقاذ المؤتمر الوطني الفرنسي من هجوم الملكيين [Getty]

1796: جوزفين

التقي نابليون بجوزفين في عام 1795، حيث كانت أرملة قتل زوجها بالمقصلة في عهد الإرهاب. كانت جوزفين عشيقة لأقوي رجل في فرنسا، بول بارّا، قائد حكومة المديرين. كان بارّا يود التخلص منها، فشجع علي التعرف علي نابليون. أحبها نابليون حباً شديداً، وتزوجا في مارس 1796.

جوزفين زوجة نابليون الأولي [Getty]

1796-1797: قائد في إيطاليا

غادر نابليون إلي عمله بعد يومين من زفافه علي جوزفين، حيث تم تعيينه قائداً عاماً للجيش الإيطالي (فرع من الجيش الفرنسي مختص بالعمليات في إيطاليا). كان الجيش الإيطالي في حالة يرثي لها، ولكن رغم ذلك استطاع نابليون تحقيق انتصارات مبهرة علي التحالف المعادي للجمهورية الفرنسية في شمال إيطاليا، وهو التحالف المكون من روسيا والنمسا وساردينيا وبعض المدن الإيطالية الأخري. بعد سنوات من الصراع والحروب، استطاع نابليون تحقيق السلام، وأصبح الحاكم الفعلي لشمال إيطاليا. تعلم نابليون كيفية الحكم في إيطاليا، وبنهاية 1797 كانت شهرته تجب الآفاق.

قاد نابليون قواته عبر جبال الألب إلي إيطاليا [Mary Evans Picture Library]

1798: أرض الفراعنة

كانت بريطانيا هي المعارضة الوحيدة في ذلك الوقت لفرنسا، وكانت خطة حكومة المديرين أن تقوم فرنسا بالاستيلاء علي مصر لقطع الطريق التجاري لبريطانيا مع الهند. نجحت القوات الفرنسية بقيادة نابليون في هزيمة المماليك في معركة الأهرامات، ولكن تدمير الأسطول الفرنسي في أبي قير علي يد الأسطول الملكي البريطاني قضي علي الآمال في نجاح الحملة الفرنسية علي مصر، وأصبح 35 ألف جندي فرنسي محاصرون غير قادرين علي الرجوع إلي فرنسا. حاول نابليون التوغل في بلاد الشام ونجح في فتح عدة مدن ساحلية، ولكن المقاومة العنيفة لمدينة عكا حالت أيضاً دون نجاح هذه الحملة.

الحملة الفرنسية علي مصر والشام [Wikipedia]

1799: انقلاب

قام تحالف جديد في أوروبا لمحاربة الجمهورية الفرنسية بقيادة بريطانيا وروسيا، وأصبح الوضع خطراً في فرنسا ذاتها. كان إيمانويل سييس، أحد المديرين، يري أن نجاح الثورة الفرنسية يعتمد علي وجود حكومة تنفيذية قوية مدعومة بجيش رادع، وعقد العزم مع نابليون علي إسقاط حكومة المديرين والقيام بانقلاب لتشكيل حكومة جديدة. رغم بعض الانتصارات الفرنسية ضد التحالف التي حالت مؤقتاً دون سقوط الجمهورية وعودة الملكية، قاما بانقلابهما العسكري وتم تشكيل حكومة القناصل، وعُين نابليون كقنصل أول لأكبر قوة في أوروبا، وأصبح الحاكم الأوحد لفرنسا.

إيمانويل سييس شريك نابليون في انقلاب عام 1799 [Getty]

1799-1804: القنصل الأول

ترك نابليون بصمته سريعاً علي فرنسا، فقد جعلته انتصاراته العسكرية ضد خصوم فرنسا بطلاً شعبياً، كما غيرت تنظيماته الإدارية والقانونية شكل الحياة في فرنسا للأبد. بحلول عام 1802 نجح في فرض السلام، حيث تم هزيمة النمسا أكثر من مرة في إيطاليا وألمانيا، كما أن بريطانيا ضجت من وقوفها وحيدة في وجه فرنسا. وفي الداخل فإن قوانين نابليون رسخت مكاسب الثورة الفرنسية من الحرية الشخصية وحرية العبادة والمساواة أمام القانون بالإضافة إلي تكوين أكبر جيش حتي ذلك الوقت. حصل نابليون علي لقب جديد وأصبح قنصلاً مدي الحياة.

أجري نابليون الكثير من الإصلاحات خلال تقلده منصب القنصل الأول لفرنسا [Getty]

1804: امبراطور

لم يدم السلام مع بريطانيا طويلاً، وبدأ بوادر الحرب من جديد في أوروبا. بعد أن حاول شخصان فرنسيان اغتيال نابليون لإعادة الملكية من جديد، أدرك نابليون أن الحل الوحيد لوأد مثل هذه المحاولات هو تأسيس امبراطورية وراثية ترفع من شأنه في عيون أعدائه وأبناء شعبه. وبالفعل أعلن نابليون عن تأسيس الامبراطورية الفرنسية الأولي وتوج نفسه بنفسه امبراطوراً علي فرنسا في حضور بابا الفاتيكان، وتحولت فرنسا من جمهورية إلي امبراطورية.

نابليون خلال حفل تتويجه كامبراطور في حضور البابا [Getty]

1805: معركة الأباطرة الثلاثة

خرج نابليون لقتال تحالف جديد بين امبراطورية النمسا والامبراطورية الروسية في مدينة أوسترليتز (في جمهورية التشيك حالياً). رغم أن قوات نابليون كانت أقل عدداً، إلا أن عبقرية نابليون العسكرية نجحت في نصب فخ لقوات روسيا والنمسا، أدت لمقتل أكثر من 26 ألف جندي مقابل 9 آلاف جندي فرنسي. يُعتبر هذا أكبر نصر في مسيرة نابليون العسكرية، والتي رسخت مكانته كأمهر قائد عسكري في عصره.

معركة أوسترليتز [Wikipedia]

1806-1809: الحصار وشبه الجزيرة

تبدد أي أمل لنابليون في القيام بغزو بحري لبريطانيا لإجبارها علي السلام بعد انتصار الأسطول الملكي البريطاني في معركة الطرف الأغر علي الأسطولين الفرنسي والإسباني وتدمير معظمها في أكتوبر 1805. ولذلك عقد العزم علي حصار بريطانيا عن طريق منع الدول الأوروبية من التجارة معها وأعلن أن أي سفينة تتجه من أو إلي بريطانيا ستكون مباحة. ولكن البرتغال لم تلتزم بقرارات نابليون بحصار بريطانيا، إذ أن اقتصادها يعتمد علي ذلك، فقام نابليون بغزو شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) لفرض الحصار. اندلعت المقاومة في إسبانيا والبرتغال ضد الغزو الفرنسي، ما سمح لأرثر ويلزلي (الذي سيصبح فيما بعد دوق ويلينجتون الذي سيهزم نابليون في معركة ووترلو) بالحصول علي موطئ قدم في القارة الأوروبية.

المعارك الكبري للجيش البريطاني في إسبانيا والبرتغال خلال حروب شبه
الجزيرة ضد نابليون [Wikipedia]

1811: وريث شارلمان

رغم خسائر نابليون في حروبه في أسبانيا والبرتغال، إلا أن امبراطوريته كانت في أوج قوتها وضمت هولندا، وأجزاء من ألمانيا ومعظم إيطاليا. اعتبر نابليون نفسه وريث شارلمان، الذي أسس الامبراطورية الرومانية المقدسة قبل ألف عام والتي حكمت أجزاء واسعة من غرب أوروبا ضمت فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا، سويسرا، النمسا. ولكنه كان بحاجة لوريث له، فطلق زوجته جوزفين علي مضض عام 1810 وتزوج من ماري-لويز ابنة امبراطور النمسا فرانسيس الأول الذي هزمه نابليون قبل فترة وجيزة. حصل نابليون علي أمنيته، ورزق بولد في مارس سمي نابليون ولقب بملك روما.

ماري-لويز زوجة نابليون الثانية وابنهما نابليون [Getty]

1812: الشتاء قادم

في محاولة منه لإجبار روسيا علي مقاطعة بريطانيا، حشد نابليون الجيش العظيم المكون من 600 ألف مقاتل علي الحدود الروسية وبدأ بالغزو في يونية. ولكن رغم كثرة عدده، كان تقدم الجيش الفرنسي بطيئاً في روسيا. بعد معركتين غير حاسمتين، تراجع الجيش الروسي إلي الشرق لتقليل الخسائر. ورغم استيلاء نابليون علي موسكو في سبتمبر، لم يوافق القيصر الروسي ألكسندر علي عقد صلح مع نابليون. مع حلول الشتاء وقلة المؤن والغذاء، اضطر نابليون إلي الانسحاب، وفي شهر نوفمبر لم يكن أكثر من 10 آلاف جندي فرنسي قادرين علي القتال.

خريطة أوروبا عام 1812 توضح حدود الامبراطورية الفرنسية وحلفائها (بالخط الأحمر) [Wikipedia]

1814-1815: الهروب من السجن

مع هزيمته النكراء في روسيا، دخلت بروسيا والنمسا الحرب مجدداً ضد نابليون وأصبحت امبراطوريته في تراجع مستمر. في 30 مارس 1814 كانت قوات التحالف تزحف علي باريس نفسها، واضطر نابليون للتخلي عن العرش بعدها بأسبوع. بعد أن كان حاكماً لقارة، أصبح محاصراً في جزيرة إلبا قبالة سواحل إيطاليا، وتم تنصيب لويس الثامن عشر مكانه علي العرش. ولكن نابليون كان يراقب تململ الفرنسيين من عودة الملكية، وقام بالهروب من السجن قبل مرور عام واحد علي نفيه. وبحلول 20 مارس 1815 كان نابليون في باريس مجدداً لمحاولة استعادة مجده، فيما عُرفت بفترة المائة يوم.

القوات الفرنسية التي أرسلت لإلقاء القبض علي نابليون تقوم بتحيته [Getty]

1815: المائة يوم

حصل نابليون علي تأييد واسع نتيجة لإصلاحاته القانونية السابقة، وتوجه من فوره لمجابهة التحالف الجديد الذي تشكّل لمحاربته. قام باحتلال بلجيكا في يونية لقطع الطريق بين القوات البريطانية والبروسية التي تتجه لقتاله في فرنسا. ولكنه مني بهزيمته الأخيرة في 18 يونية 1815 في ووترلو علي يد دوق ويلينجتون، وكانت هذه نهايته. تنحي نابليون عن الحكم للمرة الثانية بعدها بثلاثة أيام، وبعد حوالي مائة يوم من هروبه من سجنه الأول. 

دوق ويلينجتون قائد قوات الحلفاء الذي هزم نابليون في معركة ووترلو في بلجيكا [Getty]

1821: الموت في المنفي

تم نفي نابليون هذه المرة إلي جزيرة سانت هيلينا وهي جزيرة بريطانية صغيرة في جنوب المحيط الأطلنطي، بعيداً عن القارة التي حكمها يوماً ما. كانت حياته رتيبة، ولم تكن المعلومات عن أسرته وابنه تصله بانتظام. قام بالكتابة بكثرة كما قام بإملاء مذكراته. توفي نابليون عن عمر ناهز 51 عاماً مما يعتقد أنه سرطان المعدة، بعد أن ترك علامة بارزة في تاريخ أوروبا وغيّر مستقبلها للأبد.

نابليون علي سرير الموت في منفاه علي جزيرة سانت هيلينا [Getty]


المصادر

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق