الجمعة، 22 مايو 2015

مختصر تاريخ أسرة بلانتاجينيت في إنجلترا - الجزء الثاني

درع ملوك إنجلترا
[صورة من ويكيبيديا]
في الجزء الأول تعرفنا علي تأسيس أسرة بلانتاجينيت وعرفنا كيف استطاع الملك هنري الثاني بناء امبراطورية في غرب أوربا، شملت أجزاء واسعة من فرنسا وإنجلترا وويلز وأيرلندا. ولكن مع وفاة ولده الأصغر الملك جون، كان قد خسر معظم معظم أراضيه في فرنسا، بل لقد مات وجنوب إنجلترا تحت الاحتلال الفرنسي. أي أنه في غضون حوالي 50 سنة انهارت الامبراطورية الأنجوية وتفككت وقويت شوكة الأسرة الفرنسية الحاكمة التي استعادت معظم أراضيها من أسرة بلانتاجينيت.
في هذا الجزء نتعرف علي سيرة الملوك من هنري الثالث وحتي إدوارد الثالث، وهي المرحلة التي ركز فيها الملوك علي إنجلترا مع محاولات متعددة لاستعادة أملاكهم في فرنسا واندلعت فيها حرب المائة عام وظهر الطاعون في إنجلترا.

الملك هنري الثالث (1207-1272)

تمثال الملك هنري الثالث في كنسية ويستمينستر
[صورة من ويكيبيديا]
ولد هنري الثالث في 1207 وتولي العرش عام 1216 في سن التاسعة بعد وفاة والده جون خلال تمرد البارونات الإنجليز فيما عرف بحرب البارونات الأولي. توفي جون وجنوب إنجلترا تحت الاحتلال الفرنسي بعد دعوة المتمردين للأمير لويس لحكم إنجلترا، ولكن القوات الموالية لهنري الثالث بقيادة ويليام مارشال تمكنت من إلحاق الهزيمة بالمتمردين عام 1217، ثم تم عقد الصلح بين هنري ولويس وتنازل بموجبه لويس عن مطالبته بعرش إنجلترا وقفل راجعاً إلي فرنسا، وانتهت بذلك حرب البارونات الأولي بتثبيت هنري الثالث ملكاً.

حاولت الحكومة الوصية علي هنري والمشكلة من كبار المستشارين إعادة السلطة الملكية عبر أرجاء إنجلترا وفرض سيطرتها علي البارونات المتمردين. وفي هذا الأثناء كان ملك فرنسا لويس الثامن يهاجم ما تبقي من ممتلكات هنري في فرنسا (مقاطعة بواتيه وجاسكوني)، فطلب هنري من مجلس البارونات فرض ضرائب لتشكيل جيش لإمداد الحاميات الإنجليزية في فرنسا، فوافق المجلس ولكن بعد أن أعلن هنري عن إعادة إصداره للوثيقة العظمي (الماجنا كارتا) وذلك عام 1225.

كنسية ويستمينستر التي أعاد هنري الثاث بناءها
[صورة من ويكيبيديا]
تقلد هنري رسمياً مقاليد الحكم في عام 1227 ليحكم بنفسه بدلاً من الحكومة الوصية. حاول هنري عدة مرات غزو فرنسا لاستعادة أملاك أسلافه السابقة، ولكن دون جدوي. حاول أيضاً السيطرة علي حكم مملكة صقلية لابنه إدموند بعد وفاة الامبراطور الروماني فريدريك الثاني بالتعاون مع بابا الفاتيكان إنوسينت التاسع، ولكنها باءت أيضاً بالفشل رغم إنفاقه الكثير من الأموال في الحملة العسكرية لإخضاعها.

في عام 1258 تمرد العديد من البارونات الإنجليز بقيادة سيمون ديمونتفورت علي الملك هنري الثالث لخلافهم مع سياساته المالية، وفشل محاولة الاستيلاء علي صقلية، وسيطرة بعض الفرنسيين من مقاطعة بواتيه علي القصر الملكي، فقاموا بطردهم من القصر الملكي  وفرضوا علي الملك التوقيع علي "أحكام أكسفورد" عام 1258 ثم "أحكام ويستمينستر" عام 1259، والتي وضعت قيوداً علي السلطة الملكية ونصت علي تشكيل مجالس من البارونات تختص بتشكيل الحكومة. وفي نفس العام قامت حكومة البارونات وهنري بالتوقيع علي معاهدة سلام مع لويس التاسع ملك فرنسا يتنازل بموجبها هنري عن ممتلكاته في فرنسا مقابل الاعتراف بسلطته علي مقاطعة "جاسكوني" في جنوب غرب فرنسا.

 ولكن نكوص هنري عن مواثيقه عام 1261 أدي لاندلاع حرب أهلية جديدة عرفت بـ"حرب البارونات الثانية" بقيادة ديمونتفورت والمتمردين من ناحية والأمير إدوارد ابن الملك هنري والموالين له من ناحية أخري. واستمرت هذه الحرب حتي عام 1267 حين تم هزيمة المتمردين نهائياً وتوقيع معاهدة صلح.

وتوفي هنري في عام 1272 وخلفه إدوارد الذي كان في الشام ضمن الحملة الصليبية التاسعة، ولكنه رجع حين علم بموت والده. عرف عن الملك هنري تدينه واهتمامه بإنشاء الكنائس، وخاصة إنفاقه ببذخ علي إعادة بناء كنسية "ويستمينستر" التي أصبحت المثوي الأخير لملوك أسرة بلانتاجينيت. وفي عهده أيضاً ظهرت لأول مرة تسمية "البرلمان" وهو مجلس البارونات الذي كان يجتمع لمناقشة أمور فرض الضرائب.

الملك إدوارد الأول (1239-1307)

صورة للملك إدوارد في كنيسة ويستمنستر
[صورة من ويكيبيديا]
ولد إدوارد عام 1239 وتولي الحكم عام 1272 بعد وفاة والده هنري الثالث. دخل إدوارد عالم السياسة مبكراً، حيث كان أكبر أولاد هنري. كان فاعلاً أساسياً في الصراعات والحروب الأهلية التي حدثت في عصر أبيه، ,خاصة حرب البارونات الثانية. فقد كان إدوارد قد تحالف مع سيمون ديمونتفورت وأيد "أحكام أكسفورد" التي حدت من سلطات الملك، إلا أنه رجع وعاد إلي تأييد أبيه في صراعه مع البارونات المتمردين ولعب دوراً حاسماً في القضاء علي التمرد. كان قد تعرض للأسر مع أبيه علي يد المتمردين ولكنه هرب واستطاع هزيمتهم وقتل ديمونتفورت في معركة إيفشام عام 1265، إلي أن وضعت الحرب أوزارها عام 1267 بتوقيع الصلح بين الملك والمتمردين. توجه إدوارد إلي الشام عام 1271 ضمن الحملة الصليبية التاسعة لنصرة عكا التي كانت تحت حصار المماليك بقيادة الظاهر بيبرس، ولكن الحملة لم تحقق الكثير وقفل راجعاً إلي إنجلترا لتولي الحكم بعد وفاة والده هنري عام 1272.

قضي إدوارد الكثير من وقته في حملات عسكرية لمحاولة إخضاع اسكتلندا وويلز. فقد استطاع إخماد تمرد من أمراء ويلز عامي 1276-1277 أعقبه بحملة عسكرية شاملة ضد ويلز عام 1282 انتهت بفرض سيطرته التامة علي الإمارة ليحمل ولي العهد منذ ذلك الحين لقب "أمير ويلز"، وبني الكثير من القلاع فيها لحمايتها من أي تمرد مستقبلي.

وبعد ذلك وجه أنظاره ناحية اسكتلندا حيث دخل في حروب ضروس مع اسكتلندا بداية من عام 1290 لمحاولة ضمها للتاج الإنجليزي. وتبدأ المشكلة في وفاة ملك أسكتنلندا ألكسندر الثالث عام 1286 وكانت وريثته الوحيدة حفيدته مارجريت ذات الأعوام الثلاثة. ثم أدت وفاتها في سن السابعة عام 1290 إلي خلو التاج الاسكتلندي وبداية التنازع عليه. تدخل إدوارد وتم تعيين جون باليول ملكاً وتعيين ابن إدوارد ولياً للعهد عام 1292. ولكن نشبت الخلافات بين الملكين، فقام إدوارد بغزو إنجلترا وسجن باليول في برج لندن، وأصبح فعلياً حاكم اسكتلندا. إلا أن الوضع لم يستتب للإنجليز، حيث بدأت المقاومة الاسكتلندية بقيادة "ويليام والاس" بداية من عام 1297، ولعلنا نعرف عن تلك الحروب من الفيلم الشهير "القلب الشجاع" الذي يحكي قصة ويليام والاس الذي قاد الاسكتلنديين للانتصار علي الإنجليز في بعض المعارك، إلي أن تم أسره وقتله علي يد إدوارد عام 1305. ورغم ذلك لم تخمد المقاومة الاسكتلندية، واستمرت بقيادة روبرت ديبروس، الذي تم تتويجه ملكاً عام 1306. واستمرت الحرب بين إدوارد وبروس إلي أن مات إدوارد عام 1307 تاركاً لابنه إدوارد الثاني استكمالها.

من أهم إنجازات إدوارد قيامه بالعديد من الإصلاحات علي النظام العدلي والقضائي الإنجليزي، بالإضافة إلي إعادة تأسيس السلطة الملكية بعد التمردات التي عصفت بحكم أبيه. ويذكر أن البرلمان أصبح في عهده ينعقد بصفة دورية وأصبح أداة لفرض الضرائب. ومن الجدير بالذكر أن اليهود تم طردهم من إنجلترا في عهده أيضاً، حيث تم إصدار قانون طرد اليهود عام 1290 لاتهامهم بالتلاعب في النقود والإنقاص من قيمتها، ولم يعد اليهود لانجلترا حتي ألغي أوليفر كرومويل هذا القانون عام 1656.

الملك إدوارد الثاني (1284-1327)

وُلد إدوارد الثاني عام 1284، وكان رابع أبناء إدوارد الأول، إلا أنه ورث العرش بعد وفاة جميع أشقائه ثم وفاة والده عام 1307. تزوج إيزابيلا ابنة ملك فرنسا فيليب الرابع عام 1308، في محاولة لرأب صدع الخلافات بين المملكتين. 
لوحة معاصرة لإدوارد الثاني عند تتويجه (من المتحف البريطاني)
[صورة من ويكيبيديا]

تولي إدوارد العرش في خضم الحرب المستعرة بين إنجلترا وأسكتلندا والتي بدأت في عهد أبيه، وحاول إدوارد استكمالها ولكنه مني بالعديد من الخسائر، إلي أن هزم هزيمة ساحقة علي يد روبرت ديبروس ملك أسكتلندا عام 1314، وتمتعت أسكتلندا بالاستقلال عن إنجلترا منذ ذلك الحين إلي أن تم توحيد المملكتين علي يد الملك جيمس عام 1603.

كان لإدوارد الثاني علاقة خاصة برجل من حاشيته يدعي بيرس جافيستون، أدت إلي غضب النبلاء وسخطهم علي حتي قاموا بقتله عام 1312، فنشأت علاقة أخري برجل آخر يدعي هيو ديسبينسر أدت أيضاً إلي غضب النبلاء ما أدي إلي اندلاع تمرد مسلح ضده. وعندما ذهبت زوجته شقيقة الملك الفرنسي شارل الرابع لمحاولة الصلح بينهما، انقلبت عليه وتحالفت مع المتمردين بقيادة عشيقها روجر مورتيمر ضد زوجها إدوارد. ثم قاموا بتجهيز جيش صغير سافر لإنجلترا عام 1326 واستطاع هزيمة القوات الملكية، وتم خلع إدوارد من قبل البرلمان وتعيين ابنه الأمير إدوارد ملكاً في يناير عام 1327، وتم سجن إدوارد الثاني إلي أن تم قتله في سبتمبر من نفس العام.

أُخذ علي الملك إدوارد الثاني فشله في حربه ضد اسكتلندا وعلاقاته الغامضة مع بعض رجال حاشيته، إلا أنه يعتبر أن المؤسسات البرلمانية الإنجليزية تطورت في عهده تطوراً ملحوظاً.

الملك إدوارد الثالث (1312-1377)

لوحة للملك إدوارد الثالث
[صورة من ويكيبيديا]
وُلد إدوارد الثالث عام 1312، وتولي الحكم تحت وصاية أمه عام 1327 بعد عزل والده إدوارد الثاني وهو في الرابعة عشرة من عمره.  بعد ثلاث سنوات قام بتدبير انقلاب علي مورتيمر الحاكم الفعلي، ثم قام بقتله وإبعاد والدته ليصبح صاحب السلطة الفعلية ويحكم بنفسه حتي وفاته عام 1377.

قام إدوارد الثالث بإشعال ما عرف بحرب المائة عام مع فرنسا عام 1337، وذلك أنه عند وفاة عمه (شقيق والدته إيزابيلا) ملك فرنسا شارل الرابع دون وريث ذكر، قام إدوارد بالمطالبة بعرش فرنسا نظراً لأنه حفيد فيليب الرابع وأنه أحق من فيليب السادس ابن أخ فيليب الرابع. ولكن النبلاء الفرنسيون عارضوا هذه الخطوة، وأيدوا فيليب السادس نظراً لأنه ينحدر من سلالة من الذكور، علي عكس إدوارد الذي ينحدر من ابنة فيليب الرابع، فأعلن إدوارد الحرب علي فرنسا لتستمر الحرب أكثر من مائة عام.

حقق إدوارد سلسلة من الانتصارات في بداية الحرب علي الفرنسيين وحلفائهم الاسكتلنديين، ففي عام 1346 انتصر إدوارد علي القوات الفرنسية في معركة كريسي، ثم انتصرت قوات إدوارد علي ملك اسكتلندا دافيد الثاني وتم أسره في المعركة، واتجهت قوات إدوارد في فرنسا إلي حصار مدينة كاليه والتي أعلنت استسلامها عام 1347. توقفت الحرب لبضع سنوات نتيجة تفشي مرض الطاعون في إنجلترا بدءاً من عام 1348 وحتي منتصف الخمسينات.

خريطة توضح الأراضي (باللون الأحمر) التي أصبحت تحت السيطرة
الإنجليزية بعد معاهدة بريتينيه
[صورة من ويكيبيديا]
استؤنفت العمليات الحربية عام 1356 بقيادة ابن إدوارد الأمير إدوارد الملقب بـ"الأمير الأسود" (وسبب التسمية ربما يعود لدرعه ذي اللون الأسود) حيث رأس حملة عسكرية لغزو فرنسا وانتصر انتصاراً ساحقا في معركة بواتييه علي الجيش الفرنسي وتم أسر الملك الفرنسي جون الثاني وابنه فيليب. وعلي إثر هذه الانتصارات المدوية اضطر ملك فرنسا جون الثاني علي التوقيع علي معاهدة بريتينيه عام 1360، والتي نصت علي تنازل إدوارد عن مطالبته بعرش فرنسا مقابل الاعتراف بسيطرته علي مساحات واسعة في جنوب غرب فرنسا.

ولكن هذه الأراضي لم تدم طويلاً بيد الإنجليز، إذ بعد وفاة جون الثاني في الأسر عام 1364، خلفه شارل الخامس، الذي شن الحرب مجدداً علي إنجلترا. قام إدوارد بإرسال ابنه جون علي رأس حملة عسكرية، ولكنه مني بالهزيمة وانتهي الأمر بتوقيع معاهدة بروج عام 1370 والتي تنازل إدوارد بموجبها عن معظم ممتلكاته باسثناء بعض المدن الساحلية مثل بوردو وكاليه.

في عهد الملك إدوارد تحول البرلمان الإنجليزي لشكله الحالي، أي أنه مكون من غرفتين:  الغرفة العليا المسماة بمجلس اللوردات، والغرفة السفلي المسماة بمجلس العموم.  توفي إدوارد الثالث عام 1377 تاركاً لخلافته حفيده ريتشارد الثاني ابن ولده الأكبر وولي عهده الأمير إدوارد (الأمير الأسود) الذي توفي عام 1376.

المصادر


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق