السبت، 16 مايو 2015

مختصر تاريخ أسرة بلانتاجينيت في إنجلترا - الجزء الأول

درع ملوك إنجلترا
[صورة من ويكيبيديا]
أسرة بلانتاجينيت هي أسرة ملكية من أصول فرنسية حكمت إنجلترا في الفترة من ١١٥٤م بتولي الملك هنري الثاني عرش إنجلترا وحتي ١٤٨٥م بسقوط الملك ريتشارد الثالث صريعاً في معركة بوزوورث. وتربعت أسرة بلاناجينيت علي عرش إنجلترا لأطول فترة في التاريخ الإنجليزي، حيث امتدت فترة حكمها لحوالي ٣٣٠ عاماً.
وشهدت فترة حكمها الكثير من الأحداث التي غيرت مجري التاريخ الإنجليزي، لعل أشهرها هو:

  • كتابة وثيقة "الماجنا كارتا" (وتعني الوثيقة العظمي باللاتينية) التي تعتبر بمثابة الدستور الذي يحكم العلاقة بين الملك والحكومة حتي الوقت الحالي،
  •  تكوين البرلمان الإنجليزي،
  • حرب المائة عام بين إنجلترا وفرنسا، والتي انتهت بهزيمة إنجلترا،
  • "حروب الوردتين"، وهي سلسلة حروب أهلية انتهت بقتل آخر ملوكهم ريتشارد الثالث وبزوغ نجم أسرة ملكية جديدة هي "أسرة تيودور".

تمهيد

شمال غرب فرنسا ويوضح مقاطعة أنجو إلي الجنوب من نورماندي
[صورة من ويكيبيديا]

كان ملوك أسرة نورماندي يحكمون إنجلترا منذ قام دوق نورماندي (منطقة في شمال غرب فرنسا)  ويليام بفتح إنجلترا بعد انتصاره علي الملك هارولد الثاني، آخر الملوك الأنجلوساكسونيين، في معركة هايستينجس في عام ١٠٦٦، وأصبح الملك ويليام الأول (أو الفاتح) ملك إنجلترا و في نفس الوقت دوق نورماندي.

وخلف الملك ويليام الأول ولداه ويليام الثاني ثم هنري الأول. ولكن ولد هنري الأول ويليام توفي في حادث غرق، وبالتالي قام هنري بتسمية ابنته ماتيلدا وريثة لعرش إنجلترا وقام بتزويجها من جيفري وريث كونت أنجو (منطقة في شمال غرب فرنسا إلي الجنوب من نورماندي) والذي كان يلقب بـ"بلانتاجينيت" نسبة إلي زهرة نبات منتشر في المنطقة. ورزقت ماتيلدا وجيفري بهنري عام ١١٣٣، الذي أصبح فيما بعد هنري الثاني ملك إنجلترا.

وبعد وفاة هنري الأول ملك إنجلترا عام ١١٣٥ استولي ابن أخيه ستيفين علي العرش بدلاً من ماتيلدا ابنة هنري الأول، مما أدي لاشتعال حرب أهلية بين ماتيلدا وجيفري (ثم هنري) من ناحية وبين ستيفين ملك إنجلترا من ناحية أخري. واستمرت الحرب الأهلية حتي عام ١١٥٣ عندما تم عقد معاهدة سلام بين ستيفين وهنري وتقضي بأن يقبل هنري بحكم ستيفين لانجلترا علي أن يخلفه هنري عند موته. وبالفعل، توفي ستيفين في العام التالي ١١٥٤ ليكون هنري الثاني ملكاً لانجلترا وأول ملوك أسرة بلانتاجينيت.

هنري الثاني ملك إنجلترا
[صورة من ويكيبيديا]

الملك هنري الثاني (1133-1189)

ولد هنري الثاني عام 1133 لوالدته ماتيلدا ابنة هنري الأول ملك إنجلترا ووالده جيفري بلانتاجانيت وريث كونت أنجو. أصبح دوق نورماندي في سن السابعة عام 1150، ثم ورث ممتلكات أبيه وأصبح كونت أنجو بعد وفاته عام 1151. تزوج هنري من إليانور الأكيتينية (دوقة منطقة أكيتين في جنوب فرنسا) عام 1152 بعد طلاقها من ملك فرنسا لويس السابع بستة أسابيع، وبالتالي ضم دوقية أكيتين إلي ممتلكاته في فرنسا، وأصبح فعلياً يحكم أراضي في فرنسا أكبر من ملك فرنسا ذاته.

ذهب هنري إلي إنجلترا عدة مرات خلال فترة تولي عمه ستيفين الحكم، حتي ذهب لآخر مرة عام 1153 وتم توقيع اتفاق سلام يقضي بأن يحكم ستيفين مدي حياته علي أن يكون هنري الثاني وريثه الشرعي. وبالفعل توج هنري الثاني ملكاً لإنجلترا عام 1154 بعد وفاة الملك ستيفين، وأصبح أول ملوك أسرة بلانتاجينيت، ويتحكم في امبراطورية واسعة تشمل إنجلترا وأجزاء واسعة من فرنسا بالإضافة لمعظم ويلز وشرق أيرلندا، فيما عرف بالامبراطورية الأنجوية.

ممتلكات هنري الثاني في فرنسا عام 1154 بدرجات اللون الأحمر
[صورة من ويكيبيديا]
قضي هنري أكثر من نصف فترة حكمه خارج إنجلترا في حرب لتثبيت سلطته علي أراضيه الشاسعة. تعرض للعديد من الثورات والقلاقل الداخلية، من أهمها عصيان مسلح من ثلاثة من أبنائه (هنري الصغير، ريتشارد، وجيفري) وزوجته إليانور عام 1173 بإيعاز من ملك فرنسا ولكنه نجح في القضاء علي التمرد وهزيمتهم. تمرد هنري الصغير وجيفري مرة ثانية عام 1183 ونجح أيضاً في القضاء عليه ولكنه انتهي بموت ولده الأكبر هنري الصغير (كان ويليام أكبر أبناء هنري، ولكنه توفي صغيراً). ثار عليه ريتشارد مرة أخيرة بمساعدة ملك إنجلترا فيليب الثاني، وانتهي هذه المرة بهزيمة هنري الثاني ووفاته في أنجو في فرنسا حيث دفن وخلفه ابنه ريتشارد الأول.

من أهم إنجازات هنري الثاني هي إصلاحاته القانونية التي أدخلها علي النظام القضائي الإنجليزي، والتي بعضها مستمر حتي هذا اليوم. حيث قام بتنظيم المحاكم والفصل في الاختصاصات بين المحاكم الملكية والمحاكم الكنسية، وتوزيع القضاة علي المناطق المختلفة من مملكته.

الملك ريتشارد الأول (1157-1199)

ولد عام ١١٥٧ وتولي حكم إنجلترا ومناطق واسعة من فرنسا عام ١١٨٩ بعد وفاة أبيه هنري الثاني. لُقب ريتشارد بـ"قلب الأسد"  لسمعته الطيبة كمقاتل شرس وقائد عسكري محنك.  كان ثالث الأبناء الذكور لهنري الثاني وإليانور الأكيتينية بعد ويليام الذي مات طفلاً وهنري الصغير الذي قتل في تمرد مسلح ضد أبيه، وبالتالي ورث العرش عند وفاة هنري الثاني.

تمثال لريتشارد الأول في مدفنه في أنجو [صورة من ويكيبيديا]
يعتبر ريتشارد الأول من أشهر الملوك الإنجليز في العالم العربي والإسلامي، وذلك لدوره في الحملة الصليبية الثالثة علي الشام بين عامي ١١٨٩ و١١٩٢. كان انتصار صلاح الدين الأيوبي علي مملكة القدس الصليبية في معركة حطين عام ١١٨٧ ثم فتحه لمدينة القدس قد سبب صدمة في الممالك المسيحية الأوربية، ومن ثم عقدت العزم علي التجهيز لحملة صليبية جديدة لاسترجاع مدينة القدس من المسلمين. شارك في هذه الحملة العديد من ملوك أوربا، مثل ريتشارد ملك إنجلترا، فيليب الثاني ملك فرنسا، والامبراطور الألماني فريدريك بارباروسا (الذي غرق في آسيا الصغري في طريقه للشام)، ولذلك لقبت بـ"حملة الملوك". حققت الحملة نتائج طيبة من حيث الاستيلاء علي مدينتي عكا ويافا واستمرار السيطرة علي العديد من المدن الساحلية في الشام، إلا أنها لم تحقق هدفها في طرد صلاح الدين من القدس، وانتهت بتوقيع معاهدة صلح تقضي بالسماح للحجاج والتجار المسيحيين غير المسلحين بزيارة مدينة القدس، ومن ثم قفل ريتشارد عائداً نحو مملكته في ١١٩٢.

في طريق العودة غرقت سفينته واضطر للسفر براً عبر وسط أوربا، ولكنه تعرض للأسر علي يد ليوبولد الخامس دوق النمسا، الذي كانت له خلافات شخصية سابقة مع ريتشارد.  قام ليوبولد بتسليم ريتشارد إلي هنري السادس امبراطور ألمانيا والامبراطورية الرومانية المقدسة وطالب بفدية تقدر بمائة وخمسين ألف مارك (حوالي 65 ألف رطل من الفضة) وهي تعادل ثلاثة أضعاف الدخل الملكي السنوي لملك إنجلترا.   بعد دفع الفدية تم إطلاق سراح ريتشارد في فبراير عام 1194.

بعد عودة ريتشارد عمد إلي استرجاع الأراضي التي استولي عليها فيليب الثاني ملك فرنسا أثناء سجنه، حتي قتل أثناء حصاره لأحد القلاع في مارس عام 1199.

لم يخلف ريتشارد أي أولاد شرعيين لخلافته، فاختار أخاه جون ليكون وريثاً لعرشه من بعده. من أهم إنجازات ريتشارد هي حملاته الحربية وشجاعته وخبرته العسكرية، فقد كان ملكاً وفارساً في ذات الوقت، ورغم أنه تربع علي عرش إنجلترا لعشر سنوات، إلا أنه لم يقض فيها إلا ستة أشهر فقط، وقضي باقي الوقت في الحملات العسكرية في أراضيه في فرنسا أو في الحملة الصليبية علي الشام.

الملك جون (1166-1216)

تمثال للملك جون [صورة من ويكيبيديا]
ولد عام 1166 كأصغر أبناء هنري الثاني الذكور، وتولي عرش مملكة إنجلترا عام 1199 بعد وفاة أخيه ريتشارد الأول دون وريث. لُقِب بـ"عديم الأرض" وذلك لخسارته معظم أراضي مملكته في فرنسا. حاول الاستيلاء علي العرش أثناء وجود أخيه ريتشارد في الحملة الصليبية ولكن محاولته باءت بالفشل ثم سامحه ريتشارد وجعله وريثا للعرش. في بداية حكمه حاول أرثر دوق بريتاني، وهو ابن أخيه الأكبر المتوفي جيفري، منازعته علي العرش بمساعدة من ملك فرنسا فيليب الثاني، ولكن جون استطاع السيطرة علي الحكم والقضاء علي التمرد.

اندلعت الحرب بينه وبين ملك فرنسا فيليب الثاني في عام 1202، واستطاع ملك فرنسا هزيمة جون والسيطرة علي نورماندي وأنجو وبواتو، ولم يبق من ممتلكات جون في فرنسا سوي دوقية أكيتين. حاول جون بقية فترة حكمه استعادة دوقية نورماندي وشن العديد من الحملات العسكرية علي ملك فرنسا، ولكن كلها باءت بالفشل، حيث لم ينجح في استعادة نورماندي من فيليب.

تسببت المصاريف الباهظة لهذه الحملات، واضطراره للاقتراض وفرض الضرائب علي النبلاء من أجل تمويلها، إلي ثورة النبلاء في إنجلترا ضد حكمه. بعد فشل حملته الأخيرة عام 1214 لاستعادة نورماندي، ثار النبلاء الإنجليز ضده واندلعت الحرب بينهم وبين قوات جون، وبعد مفاوضات تم الاتفاق علي توقيع "الوثيقة العظمي" أو "الماجنا كارتا"  في عام 1215 والتي تحد من سلطات ملك إنجلترا في فرض الضرائب بدون موافقة النبلاء، والحق في الحصول علي محاكمة عادلة سريعة، والحماية من السجن بدون جريمة، وتأليف مجلس مكون من 25 من النبلاء لمتابعة تنفيذ الملك للاتفاقية.

ممتلكات الملك جون في فرنسا عام 1200
[صورة من ويكيبيديا]
ولكن كلا الطرفين لم ينفذ بنود الاتفاقية، فاندلعت الحرب مجددا بين جون والنبلاء المتمردين، فيما عرف بـ"حرب البارونات الأولي"، واستدعي بعضهم الأمير لويس ابن ملك فرنسا فيليب الثاني (الملك لويس الثامن فيما بعد) لحكم إنجلترا بوصفه زوج حفيدة هنري الثاني. وبالفعل استطاع الأمير لويس النزول لشواطئ إنجلترا في مايو 1216 ونجح جيش المتمردين في السيطرة علي جنوب شرق إنجلترا. وفي تلك الأثناء مرض جون بالدوسنطاريا والتي أودت بحياته في أكتوبر 1216.  بعد وفاته تم تتويج ولده هنري الثالث ملكاً لانجلترا في التاسعة من عمره، واستطاع جيش النبلاء المؤيدين له دحر المتمردين وتنازل الأمير لويس عن مطالبته بالعرش في 1217.

من أهم إنجازات الملك جون الداخلية إجراؤه بعض الإصلاحات علي النظام العدلي والقضائي، ومنح المحاكم الملكية سلطة أكبر في القضايا المحلية في الأقاليم المحتلفة. وقام جون أيضاً بإنشاء نظام "للطب الشرعي" الذي يختص بتوثيق الوفيات والتحقيق في أسباب الوفاة والتأكد منها. 

المصادر

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق