الثلاثاء، 16 فبراير 2016

أهم محطات حياة غاندي

يُعرف مهندَس كارامتشاند غاندي بلقب "مهاتما" والذي يعني الروح العظيمة. كان مناضلاً سياسياً بارعاً. حارب من أجل استقلال الهند عن الحكم البريطاني ومن أجل حقوق الفقراء الهنود. يُنظَر لنموذج الاحتجاج السلمي الذي انتهجه بكل احترام في جميع أنحاء العالم. في هذه المقالة سنتعرف كيف نشأ هذا الرجل الذي كان ممثلاً لفقراء الهند في بيئة راقية وكيف قضى سنوات مراهقته في تمرد على أسرته.

غاندي [Wikipedia]


1869: نشأته في أسرة راقية

وُلد مهندس غاندي في شمال غرب الهند في ولاية بورباندر في 2 أكتوبر 1869. كانت لأسرته أصول عريقة، وكان والده يعمل كرئيس الوزراء في حكومة الولاية. كانت أمه شديدة التدين وكانت تقضي وقتاً طويلاً في المعبد أو في تأدية الصيام. وقد قامت بتربيته على العقيدة الهندوسية، وغرست فيه حب الأكل النباتي، والتسامح الديني، وبساطة العيش، وكره العنف.


1883: مراهق متمرد

انتقل والده بالأسرة إلى مدينة راجكوت القريبة، حيث كانت المدارس أفضل وتعلم غاندي اللغة الإنجليزية. تزوج غاندي في سن الثالثة عشرة من كاستوربا التي كانت تكبره بعام. كانت غاندي مراهق مشاكس، حيث كان يحتسي الخمر ويأكل اللحوم (المحرمة عند الهندوس) ويمرح مع النساء. ولكنه كان رغم ذلك يتوب ويشعر بالندم بعد كل ذنب يرتكبه. وعندما كان والده على فراش الموت، غادر غاندي للذهاب إلى زوجته ولم يكن عن لحظة موت والده. وبعد حمل زوجته مات الطفل بعد ولادته بوقت قصير، فرأى غاندي أن هذا كان جزاءً عادلاً لأفعاله السابقة.


1888: دراسة الحقوق

كان غاندي يشعر بالتعاسة في كلية بهافناجار في مومباي حيث كان يدرس حتى عُرض عليه دراسة القانون في جمعية "إنر تيمبل" في لندن.أخبره كبراء عشيرته أنه سيصير منبوذاً إن هو ترك الهند للدراسة في الخارج ولكنه لم يعبأ بتحذيراتهم وسافر إلى لندن ولبس الملابس الغربية. وجد غاندي ضالته في "الجمعية الثيوصوفية" (ثيوصوفي لفظة مشتقة من اليونانية وتعني حرفياً حكمة الله، وهي جمعية تبحث في الأصول الفلسفية لوجود الإله والعيش الزاهد والتقشف والتصوف). ساعدته الجمعية على العودة لأصول التعاليم الهندوسية التي ربته عليها والدته من الأكل النباتي وعدم احتساء الخمور واعتزال النساء، وزاد غاندي على ذلك بقولبة أفكاره الخاصة عن وحدة الشعوب والأديان.


غاندي أثناء دراسته في لندن [BBC]

1893: التوجه لجنوب أفريقيا

بعد إتمام دراسة الحقوق عاد غاندي إلى الهند للعمل كمحامٍ، ولكنه خسر أول قضية له وتم طرده من مكتب مسؤول بريطاني. شعر غاندي بالإهانة وقرر التوجه لجنوب أفريقيا للعمل بها. أثناء سفره تم إخراجه من مقصورة للدرجة الأولى بسبب لون بشرته، حيث كانت جنوب أفريقيا تمارس سياسة الفصل العنصري بين البيض وباقي العرقيات. شعر غاندي بالصدمة وقرر تشكيل المؤتمر الهندي في ناتال لمحاربة الفصل العنصري ولتطوير فكرة تطهير النفس و"الساتياغراها" والتي تعني العصيان المدني السلمي. أخذ غاندي على نفسه ميثاق الرهبنة وبدأ في ارتداء ما سماه "ثوب الحداد" وهو ثوب أبيض هندي تقليدي.


غاندي في جنوب أفريقيا [BBC]


1914: فوز الحقوق المدنية الهندية في جنوب أفريقيا

نظم غاندي في عام 1913 إضراباً ضد ضريبة مقدارها 3 جنيهات استرلينية على المواطنين من ذوي الأصول الهندية في جنوب أفريقيا. كان لأول مرة يقود الهنود من الطبقة العاملة، من عمال المزارع والمناجم والمحاجر. قاد غاندي مسيرة من 2,221 شخصاً من ناتال إلى ترانسفال كإنذار أخير للعصيان المدني، ولكنه تعرض للاعتقال وحُكم عليه بالسجن تسعة أشهر. ورغم ذلك انتشر الإضراب في أنحاء جنوب أفريقيا واضطر البريطانيون إلى إلغاء الضريبة وإطلاق سراحه. انتشرت أخبار انتصاره في إنجلترا وبدأ نجم غاندي في البزوغ كرمز عالمي.


غاندي وزوجته كاستوربا [BBC]

1915: العودة للهند

عاد غاندي منتصراً إلى الهند، وقرر هو وزوجته كاستوربا أن يسافرا في أنحاء الهند في قطار من الدرجة الثالثة المخصصة للفقراء. صُدم غاندي مما رآه من التكدس والفقر المدقع وأقسم أن يعمل من أجل حقوق المُهمّشين. نظم غاندي يوماً للاحتجاج ضد "قانون رولات" الذي يمكن الإنجليز من سجن أي شخص يشكّون في كونه إرهابياً. تجمع مئات الآلاف في عدة مدن، ولكن الاحتجاج تحول للعنف. في أمريستار، أمر الجنرال داير بإطلاق النار على أكثر من 20 ألف متظاهر، وتم قتل 400 وجرح أكثر من 1300 شخص. بعد هذه المجزرة عزم غاندي على مقاومة الاحتلال الإنجليزي من أجل نيل استقلال الهند.


1921: الكفاح من أجل استقلال الهند

مع ازدياد شعبيته، أصبح غاندي الصوت الرئيسي حزب المؤتمر الوطني الهندي وبدأ الكفاح من أجل استقال الهند عن بريطانيا. حوّل غاندي المؤتمر الهندي من جماعة للطبقة الراقية إلى حزب ذي شعبية كبيرة. كان يرغب في هند متحررة قائمة على التسامح الديني وتقبل كافة الأديان الموجودة بها. أصبحت نداءات غاندي للاحتجاجات السلمية مقبولة من الهنود علي اختلاف دياناتهم ومكاناتهم الاجتماعية. شجع غاندي على سياسة عدم التعاون مع الحكم البريطاني، والتي تشمل مقاطعة البضائع البريطانية. وفي المقابل قامت السلطات البريطانية بالقبض على غاندي بتهم التحريض وتم سجنه لعامين.


غاندي في مظاهرة عام 1921 [BBC]

1930: مسيرة الملح من أجل الحرية

لم يتمكن البريطانيون من استمرار تجاهل غاندي، فقرروا عقد مؤتمر في لندن لمناقشة مستقبل الهند، ولكنهم لم يقوموا بدعوة أي هندي للمؤتمر. شعر غاندي بالغضب الشديد وبدأ حملة ضد قوانين الملح البريطانية التي تحظر على الهنود جمع أو بيع الملح وتجبرهم على شراء الملح البريطاني الذي تفرض عليه الضرائب الباهظة. قاد غاندي آلاف الهنود في "مسيرة نحو البحر" حيث قام المحتجون بغلي مياه البحر لاستخراج الملح، والذي يعتبر بمثابة فعل رمزي للعصيان ضد الحكم البريطاني. تم القبض على غاندي ولكن الاحتجاجات تصاعدت ورفض الآلاف دفع الضرائب أو الإيجارات. تراجعت بريطانيا وتم السماح لغاندي بالسفر للندن لحضور المؤتمر.


1931: فرصة ضائعة لتحديد مستقبل الهند

سافر غاندي إلى لندن لحضور مؤتمر المائدة المستديرة كممثل وحيد عن المؤتمر الوطني الهندي. قدم غاندي صورة مؤثرة عن الهند بلباسه التقليدي، ولكنه فشل في تحقيق مطالبه في المؤتمر. كانت بريطانيا ما تزال غير مستعدة لمنح الهند استقلالها، كما أن وفود المسلمين والسيخ وباقي الطوائف الهندية لم تتحالف معه لأنهم كانوا يعتقدون أنه لا يتحدث باسم كل الهنود. ولكن تم السماح له بمقابلة الملك جورج الخامس وزيارة عمال النسيج في مدينة لانكشاير. أدت هذه الزيارات لزيادة شعبيته ومعرفة الناس به وتعاطفهم مع قضية استقلال الهند في بريطانيا.



1942: حملة "اخرجوا من الهند"

بعد فشل غاندي في المؤتمر، تخلى عن زعامة حزب المؤتمر الوطني الهندي وتم تنحيته من السياسة المحلية في الهند. عندما طلب وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، المساعدة من الهند في الحرب ضد ألمانيا النازية، كان غاندي مصراً ألا تقدم الهند أي مساعدة لبريطانيا في الوقت الذي يتم فيه اضطهاد الهنود في وطنهم. نظم غاندي حملة "اخرجوا من الهند" للمطالبة بجلاء بريطانيا عن الهند نهائياً. ردت بريطانيا بسجنه وزوجته، ما أدي لاندلاع احتجاجات عارمة في الهند مطالبةً بإطلاق سراحهما، ولكن تشرشل كان مصراً على عدم التنازل. ماتت زوجة غاندي في السجن قبل أشهر قليلة من إطلاق سراحه عام 1944.

غاندي ونهرو [BBC]

1947: الهند تتحرر

فشلت بريطانيا في كبح جماح المطالَبات باستقلال الهند، ورضخت في النهاية وبدأت مفاوضات الاستقلال. ولكن النتيجة كانت بعيدة كل البعد عما كان يطمح إليه غاندي. كانت خطة ماونتباتن تقوم على تأسيس دولتين مستقلتين هما الهند وباكستان، حيث يقوم التقسيم على أساس ديني. عمت الفرحة والاحتفالات العاصمة دلهي، ولكن رؤية غاندي لهند موحدة لم تتحقق. أدي تقسيم الهند لموجات نزوح جماعي لملايين البشر وعمليات قتل جماعي بشعة. غادر غاندي دلهي إلى مدينة كلكتا للقيام بالصوم لمحاولة كبح جماح العنف وإحلال السلام.


غاندي في صلاة عامة في كلكتا عام 1947 [BBC]

1948: مقتل الروح العظيمة

أدت خطة التقسيم لمزيد من العنف والقتل، وعاد غاندي إلى دلهي لمحاولة حماية المسلمين الذين اختاروا البقاء في الهند وعدم الهجرة إلى باكستان، وبدأ الصوم لأجل حقوق الأقلية المسلمة في الهند. ولكن في طريقه للصلاة اعترضه أحد الهندوس المتعصبين وأصابه بثلاث رصاصات في الصدر. احتفل بعض الهندوس المتعصبون بمقتله، ولكن الحزن عمّ جميع أرجاء الهند. شارك أكثر من مليون شخص في جنازته الشعبية إلى ضفاف نهر يامونا. حزن الناس في أرجاء العالم لمقتل غاندي الرجل الذي انتصر على الامبراطورية البريطانية بالنضال اللاعنيف ونجح في نيل استقلال الهند، رغم أنه لم يحقق حلمه في تأسيس دولة موحدة مستقلة متسامحة مع جميع أديان أفراد شعبها.

المراجع

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق